للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه السادس والمائة: أن هذه المعقولات التي عارضوا بها الوحي لها معقولات تعارضها هي أقوى منها، ومقدِّماتها أصح من مقدِّماتها، فيجب تقديمها عليها لو (١) قُدر تعارضهما، ولا يمكن هؤلاء أن يدفعوا كون النصوص من جانب هذه المعقولات.

وحينئذٍ فمعقول تشهد له النصوص أولى بالصحة والقبول من معقول تدفعه النصوص. فنحن ندفع معقولاتهم بهذه المعقولات تارةً، وبالنصوص تارةً، وبهما تارةً. ولا يمكنهم القدح في هذه المعقولات إلَّا بمقدمات يردُّها النصُّ وهذا العقل، فكيف ترد هذه المعقولات والنصوص بتلك؟ وهذا قاطع لمن تدبَّره. واعتَبِرْ ذلك بالمعقولات التي أقامها المعطلة على نفي علو الله على خلقه ومباينته للعالم، والمعقولات التي أقامها أهل الإثبات على ضد قولهم، يتبين لك ما بينهما من التفاوت، [ق ٨٣ أ] وتَسْلَم نصوص الوحي عن المعارض.

ونحن نعلم أن المعطلة تقدح في مقدمات هذه المعقولات الدالة على الإثبات، ولكن القدح فيها من جنس القدح في الضروريات والبديهيات. ولا ينفعهم كون طائفة من العقلاء منكرين لها، والضروريات لا ينكرها أحدٌ؛ فإن هذا ينتقض عليهم، بكل طائفة من طوائف (٢) بني آدم قالوا ما يخالف ضرورة العقل، مع كونهم أكثر من هؤلاء النُّفاة، وكل طائفة تشهد على الأخرى أنها خالفت ضرورة العقل. فيشهد أصحاب العقل والسمع على النفاة أنهم كما خالفوا صحيح (٣) النقل خالفوا صريح العقل،


(١) «ح»: «ولو». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «الطوائف».
(٣) «ح»: «صريح».