للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقل أَثبَتَ، أو أَوجَبَ، أو سوَّغَ ما يقول الآخر إن العقل نفاه، أو أحاله، أو منع منه. بل قد آل الأمر بينهم إلى التنازع فيما يقولون إنه من العلوم الضرورية، فيقول هذا: نحن نعلم بالضرورة العقلية ما يقول الآخر: إنه غير معلومٍ بالضرورة العقلية. وأبلغ من هذا أن يدَّعي بعضهم أن هذا مُحال بضرورة (١) العقل، فيدَّعي الآخر أنه ممكن بضرورة العقل.

فأكثر العقلاء [ق ٤٦ ب] يقولون: نحن نعلم بضرورة العقل امتناع رؤيا مرئيٍّ من غير معاينةٍ ومقابلةٍ. ويقول آخرون من المنتسبين إلى المعقولات: بل ذلك ممكنٌ لا يُحيله العقل.

ويقول أكثر العقلاء: نحن نعلم أن حدوث حادثٍ بلا سبب حادث ممتنعٌ. ويقول آخرون: بل ذلك ممكن.

ويقول أكثر العقلاء: إن كون العالِم عالِمًا بلا علمٍ، وحيًّا بلا حياةٍ، ومريدًا بلا إرادة، وسميعًا بصيرًا بلا سمعٍ ولا بصرٍ؛ مُحال بضرورة العقل. وآخرون يقولون: بل هو ممكنٌ غير مستحيلٍ، بل هو الواجب في حقِّ الله عز وجل.

ويقول جمهور العقلاء: إن كون (٢) المعنى الواحد أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا ممتنع في ضرورة العقل. وآخرون يقولون: هو ممكنٌ واقعٌ.

وجمهور العقلاء يقولون: إن إثبات موجودَينِ قائمَينِ بأنفسهما ليس أحدهما مباينًا للآخر ولا محايثًا له، ولا داخلًا فيه ولا خارجًا عنه، ولا متصلًا به ولا منفصلًا عنه؛ مكابرةٌ لصريح العقل. وآخرون يقولون: بل


(١) «ح»: «بالضرورة».
(٢) «ح»: «يكون». والمثبت من «درء التعارض» (١/ ١٤٥).