للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو ممكنٌ واجبٌ في العقل.

وجمهور العقلاء يقولون: إن إثبات كون المريد مريدًا بإرادةٍ لا في محلٍّ ممتنعٌ في ضرورة العقل. وآخرون ينازعوهم في ذلك.

وجمهور العقلاء يقولون: إن الحروف والأصوات من المتكلم الواحد مقترنة بعضها ببعض في آنٍ واحدٍ محالٌ بضرورة العقل. وآخرون يقولون: بل هو ممكنٌ، بل واجبٌ في حق القديم.

إلى أضعاف أضعاف ما ذكرنا. فلو قيل بتقديم العقل على نصوص الوحي ـ وهذا شأن العقل ـ لزم المحال، واجتماع النقيضين، وأُحيل (١) النَّاس على شيءٍ لا سبيل لهم إلى ثبوته ومعرفته.

وأمَّا الوحي فهو قول الصَّادق، وهو صفةٌ لازمةٌ لا تختلف باختلاف أحوال النَّاس، والعلم بذلك ممكنٌ، وردُّ النَّاس إليه ممكنٌ. ولهذا جاء الوحي من الله سبحانه بردِّ النَّاس عند التنازع إلى كتابه وسُنة رسوله، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اُللَّهَ وَأَطِيعُوا اُلرَّسُولَ وَأُوْلِي اِلْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللَّهِ وَاَلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاَلْيَوْمِ اِلْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٨]. فأَمَرَ المؤمنين عند التنازع بالردِّ إلى كتابه وسُنة رسوله، وهذا نصٌّ في تقديم السمع. قال هؤلاء: بل الواجب الردُّ إلى العقل، وردُّ السمع إن عارضه. ولو رُدَّ النَّاس الأمر عند النِّزاع إلى عقول الرجال وآرائهم ومقاييسهم لم يزدهم هذا الردُّ إلَّا اختلافًا واضطرابًا وشكًّا وارتيابًا.


(١) «ح»: «أو جبل».