للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه السَّادس والعشرون: أن ألفاظ القرآن والسُّنَّة ثلاثة أقسام: نصوص لا تحتمل إلَّا معنًى واحدًا، وظواهرُ تحتمل غير معناها احتمالًا بعيدًا مرجوحًا، وألفاظ تحتاج إلى بيانٍ، فهي بدون البيان عُرضة الاحتمال.

فأمَّا القسم الأول: فهو يُفيد اليقين بمدلوله قطعًا، كقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٣]. فلَفْظ الأَلْف لا يَحتمل غير مسمَّاه، وكذلك لفظ الخمسين، وكذلك لفظ نوحٍ، ولفظ قومه، وكقوله: {وَوَعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: ١٤٢]. وقوله: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: ٤] وقوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي اِلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٥] وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٢] وعامَّة ألفاظ القرآن من هذا الضَّرْب.

هذا شأن مفرداته، وأمَّا تركيبه [ب ٨٦ أ] فجاء على أصحِّ وجوه التَّركيب، وأبعدِها من اللبس، وأشدِّها مطابقةً للمعنى. فمفرداته نصوصٌ أو كالنُّصوص في مسمَّاها، وتراكيبه صريحة في المعنى الذي قُصِدَ بها، والمخاطبون به تلك اللغة سجيَّتهم وطبيعتهم غير متكلَّفةٍ لهم، فهم يعلمون بالاضطرار مراده منها.

والقسم الثَّاني: ظواهر قد تحتمل غير معانيها الظَّاهرة منها، ولكن قد اطَّرَدَتْ في موارد استعمالها على معنًى واحدٍ، فجرت مَجرى النُّصوص التي لا تحتمل غير مسمَّاها.