للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكليمه موسى، وأعلى أنواع العلوم وأعظمها إفادة لليقين العلوم التي ألقاها الله سبحانه إلى أنبيائه بواسطة السمع، وأن نسبة العلوم العقلية المشتركة بين النَّاس إليها أقل وأصغر من نسبة علوم العجائز والأطفال إلى تلك العلوم، فبين العلوم الحاصلة من الأدلة السمعية للرسل وأتباعهم وبين العلوم الصحيحة الحاصلة بأفكار العقلاء من التفاوت أضعافُ ما بين الخردلة إلى الجبل العظيم. فكيف النسبة بين العلوم السمعية اليقينية للرسل وأتباعهم وبين الشُّبه الخيالية التي هي من جنس شُبه السوفسطائية (١) في التحقيق.

فدعوى هؤلاء المخدوعين المخادعين أن ما جاءت به الأنبياء لا يُفيد اليقين، وأن تلك الهذيانات التي بنَوْا عليها واستدلُّوا بها هي المفيدة لليقين من جنس دعوى فرعون وقوله: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ اَلرَّشَادِ} [غافر: ٢٩] وقال عن موسى و [ما] (٢) جاء به: {إِنِّيَ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ وَأَن يُظْهِرَ فِي اِلْأَرْضِ اِلْفَسَادَ} [غافر: ٢٦] فدعوى هؤلاء من جنس دعواه سواء، وبالله التوفيق.

الوجه الستون: أن دلالة الأدلة السمعية على مدلولها من جنس دلالة الآيات المعينة على مدلولها، وهذان النوعان هما أكمل الأدلة، وهما المستلزمان للعلم بالربِّ تعالى وأسمائه وصفاته والمعاد وإثبات صِدْق


(١) السفسطائية: فرقة تنكر الحسيات والبديهيات وغيرها، وتعنى بالجدل والتلاعب بالألفاظ بقصد الإقناع، وهي فرقة يونانية قديمة، عارَضَها سقراط، وكشف عن مغالطتها. «معجم اللغة العربية المعاصرة» (٢/ ١٠٧٣) و «المعجم الفلسفي» (١/ ٦٥٨ - ٦٦٠).
(٢) سقط من «ح».