للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أن الرُّسل لم يثبتوا ما هو الحق في نفسه في معرفة توحيد الله ومعرفة اليوم الآخر، ولم يذكروا ما هو الذي يصلح لخاصة بني آدم وأولي العقول بينهم أن يفهموه ويعقلوه من هذا الباب، وأن نصوص الوحي من كتب الله المنزلة وكلام رسله لا يُحتجُّ بها في باب الإيمان بالله ولا في اليوم الآخر، لا في الخلق ولا في البعث، لا المبدأ ولا المعاد، وأن الكتب الإلهية إنما أفادت تخييلًا ينتفع به العامة لا تحقيقًا يفيد العلم والمعرفة، وأن أعظم العلوم وأجلها وأشرفها ـ وهو العلم بالله ـ لم تُثبِته الرُّسل ولم تنطق به، ولم يهد إليه الخلق، فلم تُبيِّنْ معرفة الله ولا معرفة المبدأ ولا [ق ٧٩ أ] المعاد، بل نطقت فيه بخلاف الصواب. فاشتركت المعطلة الجهمية والملاحدة في نسبة الرَّسول إلى ذلك في باب الصِّفات، وامتازت عليها الملاحدة بأن الرَّسول أراد إفهام ظاهرها، وقالت المعطلة: أراد إتعاب الأذهان في إفهام خلاف ظاهرها، وعَرَّض الأُمة إلى الباطل في اعتقاده ظاهرها.

الوجه الرَّابع والتسعون: أن يُقال: لا يخلو إمَّا أن يكون الرَّسول يعرف ما دلَّ عليه العقل بزعمكم ـ من إنكار علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه، وتكليمه لرسله وملائكته ـ أو لم يكن يعرف ذلك. فإن قلتم: لم يكن يعرفه، كانت الجهمية والمعطلة والملاحدة والمعتزلة والقرامطة الباطنية والنصيرية والإسماعيلية وأمثالهم وأفراخهم وتلامذتهم أعلم بالله وأسمائه وصفاته وما يجب له ويمتنع عليه من رُسله وأتباعه.

وإن كان يعرفه امتنع ألَّا يتكلم به يومًا من الدهر مع أحد من خاصته والمطلعين على سرِّه. ومن المعلوم قطعًا أن الرَّسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم يتكلم مع أحدٍ بما يناقض ما أظهره للناس، ولا كان خواصُّ