للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوحي وما جاءت به الرسل وعيارًا على ذلك، ثم اعْذِروا بعدُ مَن قدَّم كتاب الله وسُنة رسوله ـ الذي يسمونه الأدلة اللفظية ـ على هذه العقول المضطربة المتناقضة بشهادة أهلها وشهادة أنصار الله ورسوله عليها، وقال: إن كتاب الله ورسوله يُفيد العلم واليقين، وهذه العقول المضطربة المتناقضة إنما تُفيد الشك (١) والحيرة والريب والجهل المركب؛ فإذا تعارض النقل وهذه العقول أُخذ بالنقل الصريح، ورُمي بهذه العقول تحت الأقدام، وحُطَّت حيث حطَّها الله وحطَّ أصحابها، والله المستعان.

الوجه الثَّاني والسبعون: أن الله سبحانه دعا إلى تدبُّر كتابه وتعقُّله وتفهُّمه، وذمَّ الذين لا يفهمونه ولا يعقلونه، وأَسجَلَ عليهم بالكفر والنفاق، فقال عن المنافقين: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا اُلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ اَلَّذِينَ طَبَعَ اَللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاَتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: ١٧]. وقال: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} [الأنعام: ٢٦] وقال: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ اُلصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: ٤٢] وقال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ اَلْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: ٧٧].

فالقائل: «إن كتاب الله وسُنة رسوله لا يُستفاد منهما يقينٌ» من جنس هؤلاء لا فرق بينهم وبينه.

وأمَّا من يستفيد منهما (٢) العلم واليقين فهم الذين قال الله فيهم: {وَيَرَى اَلَّذِينَ أُوتُوا اُلْعِلْمَ اَلَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ اَلْحَقَّ} [سبأ: ٦]. وهؤلاء يرونه


(١) «ح»: «الشكوان». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «منها». والضمير يعود على كتاب الله وسنة رسوله.