للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفطر؛ فكيف وهو مع ذلك يثبت أنه لا يماثل خلقه ولا يشابههم، وأنه لا يلزم من علوه على خلقه واستوائه على عرشه أن يكون من جنسهم مماثلًا لهم؟

يوضحه:

فصل

الطريق الثاني عشر (١): أن الله سبحانه جعل بعض مخلوقاته عاليًا على بعضٍ، ولم يلزم من ذلك مماثلة العالي للسافل ومشابهته له، فهذا الماء فوق الأرض، والهواء فوق الماء، والنار فوق الهواء، والأفلاك فوق ذلك؛ وليس عاليها مماثلًا لسافلها. والتفاوت الذي بين الخالق والمخلوق أعظم من التفاوت الذي بين المخلوقات، فكيف يلزم من علوه تشبيهه بخلقه؟

فإن قلتم: وإن لم يلزم التشبيه لكن يلزم التجسيم. قيل: انفصلوا أولًا عن قول معطلة الصِّفات لكم: لو كان له سمعٌ أو بصرٌ أو حياةٌ أو علمٌ أو قدرةٌ أو كلامٌ لزم التجسيم. فإذا انفصلتم عنهم، وتخلصتم من أَسْرهم لكم، عاد عليكم أهل السُّنَّة بالرأفة والرحمة، وجبروكم وخلَّصوكم من هذا الوثاق (٢) الذي شدَّكم به الملاحدة المعطلة.

فإن أبيتم إلَّا الجواب قيل لكم: ما تعنون بالتجسيم؟

أتعنون به العلو على العالم والاستواء على العرش؟ وهذا حاصل قولكم، وحينئذٍ فما زدتم على إبطال ذلك بمجرد الدعوى التي اتحد فيها


(١) «ح»: «الثالث عشر». وهذا هو الوجه التاسع والخمسون بعد المائة.
(٢) «ح»: «الوفاق». ولعل المثبت هو الصواب.