الوجه الثَّامن: أن تعليم الأدلة اللفظية يُحسنه كلُّ أحدٍ، فما من أحدٍ إلَّا ويمكنه أن يُعرِّف غيرَه لغتَه، ويُعرِّفَه ما يَعرِفُه بالأدلة اللفظية. وأمَّا تعليم الدَّلالة العقلية فلا يُحسنه كلُّ أحدٍ.
الوجه التَّاسع: أن الله سبحانه هدى البهائم والطَّير أن يُعرِّف بعضها بعضًا مرادها بأصواتها، كما يُشاهد [ب ٧٩ ب] في أجناس الحيوان والطيور، فالديك يُصوِّت فيَعرِف الدجاجُ مراده، والفرس يَصهَل فيَعرِف الخيلُ مراده، والكلب يَنبَح فتعرف الكلاب مراده، والهرُّ تَمُوءُ (١) فتَعرِف أولادها مرادها، والدجاجة تُعرِّف أفراخها مرادها بصوتها. وهذا من تمام عناية الخالق سبحانه بخَلْقه وهدايته العامة؛ كما قال موسى:{رَبُّنَا اَلَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى}[طه: ٤٩]، وقال تعالى: {سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى (١) اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّى (٢) وَاَلَّذِي قَدَّرَ فَهَدى} [الأعلى: ١ - ٣]، فكيف لا يعلم الآدميون مراد بعضهم من بعضٍ بألفاظهم وخطابهم ولا يَجزِمون به؟!
الوجه العاشر: أن أبلد النَّاس وأبعدَهم فهمًا يَعلَم مراد أكثر مَن يخاطبه بالكلام الرَّكيك العادِم للبلاغة والفصاحة، فكيف لا يعلم أذكى النَّاس وأصحُّهم أذهانًا وأفهامًا مرادَ المتكلِّم بأفصح الكلام وأَبيَنِه وأَدَلِّه على المراد، ويحصل لهم اليقين بالعلم بمراده، وهل ذلك إلَّا من أَمحَلِ المُحال؟!
الوجه الحادي عشر: أن هذا يستلزم الطَّعنَ والقدح في بيان المتكلِّم