للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين النقيضين، وحينئذٍ فيلزم من قبول شهادته تكذيب شهادة الرُّسل. هذا لو لم يُعلم كذبه فيما شهد به إلَّا بمجرد مخالفته لما شهدت به الرُّسل، فكيف إذا عُلم كذبه بشهادة عقلٍ آخر أصح منه وأزكى وأصدق؟! كيف وقد عُلم كذب العقل الشاهد بخلاف ما جاءت به الرُّسل بوجوهٍ كثيرةٍ من مناقضته واضطرابه وإثباته للشيء ثم نفيه للوازمه، ونفيه للوازمه ثم إثباته لملزوماتها، وتفريقه بين المتساويين، وجمعه بين المختلفين، فقد عُلم كذبه وجهله من هذه الوجوه الثلاثة؟! فلا يصلح أن يُستشهد به على مخالفة السمع بوجهٍ من الوجوه. يوضحه:

الوجه الحادي والأربعون بعد المائة: وهو أن هؤلاء المعارضين ردُّوا حكم العقل الصريح المبني على المقدِّمات الضرورية الفطرية، ونسبوه إلى البطلان، وحينئذٍ فلا يمكنهم أن يُقيموا معقولًا صحيحًا على خلاف ما دلَّ عليه السمع البتة؛ لأن حكم العقل الذي ردُّوه وأبطلوه أظهرُ وأبين وأصدق من حكم العقل الذي قدَّموه على كلام الله ورسوله، بما لا نسبة بينهما، فصاروا في ذلك بمثابة حاكمٍ فاسقٍ ظالمٍ ردَّ شهادة العدول المبرِّزين في العدالة، وقَبِلَ شهادة المجهولين والمعروفين بالكذب والزُّور والفسق؛ ثم لم يكفه ذلك حتى عارض شهادة أولئك العدول الصادقين بشهادة هؤلاء الفسقة الكاذبين، ثم قدَّمها عليها، وطعن في أولئك العدول، فارتكب أنواعًا من الجهل والظُّلم، جمع فيها بين إبطال (١) الحقِّ، وتحقيق الباطل، وتزكية شهود الزُّور، والطعن في شهادة (٢) العدول.


(١) «ح»: «أطال». والمثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «الشهادة».