للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتوَّهوا (١) العقول الصحيحة والنصوص الصريحة وضيقوها، واستدعوا العقول الفاسدة، والأقوال الكاذبة، فولوها مكانها واستعملوها؛ كما قال أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب إمام الأشعري وأصحابه في كتاب «الصفات» ـ ممَّا نقله عنه أبو بكر بن فورك ـ فقال في الكتاب المذكور في باب القول في الاستواء وهذا لفظه: «ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صفوة الله من خلقه، وخيرته من بريته، وأعلمهم جميعًا به يُجيز السؤال بـ «أين» ويقوله، ويستصوب قول القائل: «إنه في السماء». ويشهد له بالإيمان عند ذلك (٢). وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون الأين ـ زعموا ـ ويُحيلون القول به. ولو كان خطأ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق بالإنكار له، وكان ينبغي أن يقول لها (٣): لا تقولي ذلك، [فتوهمين] (٤) أنه عز وجل محدودٌ في مكانٍ دون مكان، ولكن قولي: إنه في كل مكان؛ لأنه الصواب دون ما قلتِ. كلا، لقد أجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بما فيه، وأنه أصوب الأقاويل والأمر الذي يجب به الإيمان لقائله، ومن أجله شهد لها بالإيمان حين قالته، وكيف يكون الحق في خلاف ذلك والكتاب ناطقٌ به وشاهدٌ له».

قال: «ولو لم يشهد بصحة (٥) مذهب الجماعة في هذا الفنِّ خاصة إلَّا ما ذكرنا من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي، كيف وقد غرس في بِنية الفطرة


(١) تيَّه نفسه وتوَّه بمعنى، أي: حيَّرها وطوَّحها. «الصحاح» (٦/ ٢٢٢٩).
(٢) أخرجه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، وقد تقدم (ص ١٢٤).
(٣) أي: للجارية في حديث معاوية بن الحكم السلمي.
(٤) «ح»: «فهو قسمين». وفي «اجتماع الجيوش الإسلامية»: «فتوهمي». والمثبت من «درء التعارض».
(٥) «اجتماع الجيوش» و «درء التعارض»: «لصحة».