للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٩) قُلْ فَلِلَّهِ اِلْحُجَّةُ اُلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٤٩ - ١٥٠].

وحكى مثلَ هذه المعارضة عنهم في سورة النحل (١) وفي الزخرف (٢)، وإذا تأمَّلْتها حق التَّامُّل رأيتها أقوى بكثيرٍ من معارضة النُّفاة آيات الصِّفات وأخبارهم بعقولهم، فإن إخوانهم عارضوا بمشيئة الله للكائنات (٣)، والمشيئة ثابتةٌ في نفس الأمر، والنُّفاة عارضوا بأصولٍ فاسدةٍ هم وضعوها من تلقاء أنفسهم، أو تلقَّوْها عن أعداء الرُّسل من الصَّابئة والمجوس والفلاسفة، وهي خيالات فاسدة، ووهميات ظنوها قضايا عقلية.

وبالجملة فمعارضة أمر الرُّسل وخبرهم بالمعقولات إنما هي طريقة الكفار، فهم سلف للخلف بعدهم، فبئس السلف وبئس الخلف. ومن تأمَّلَ معارضة المشركين والكفار للرسل بالعقول وجدها أقوى من معارضة الجهمية والنُّفاة لخبرهم عن الله وصفاته وعُلُوِّه على خلقه وتكليمه لملائكته ورسله بعقولهم، فإن كانت تلك المعارضة باطلةً فهذه أبطل، وإن صحت هذه المعارضة فتلك أولى بالصحة منها، وهذا لا محيد لهم عنه، يوضحه:

الوجه الرَّابع والأربعون: أن القرآن مملوءٌ من ذكر الصِّفات والعلو على


(١) في قوله تعالى: {وَقَالَ اَلَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اَللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ اَلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى اَلرُّسُلِ إِلَّا اَلْبَلَاغُ اُلْمُبِينُ} [النحل: ٣٤].
(٢) في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ اَلرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف: ١٩].
(٣) «ح»: «الكائنات». والمثبت من «م».