للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإمام هؤلاء شيخ الطريقة إبليس ـ عدو الله ـ؛ فإنه أول من عارض أمر الله بعقله، وزعم أن العقل يقتضي خلافه.

وأما الثَّاني: وهو معارضة خبره بالعقل؛ فكما حكى سبحانه عن منكري المعاد أنهم عارضوا ما أخبر به عنه بعقولهم، فقال تعالى: {* وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِ اِلْعِظَامَ وَهْيَ رَمِيمٌ} [يس: ٧٧] وأخبر سبحانه أنهم عارضوا ما أخبر به من التوحيد بعقولهم، وعارضوا أخباره عن النُّبوات بعقولهم، وعارضوا بعض الأمثال التي ضربها بعقولهم، وعارضوا أدلة نبوة رسوله بمعارضة عقلية، وهي قولهم: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا اَلْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣٠]. وأنت إذا صُغتَ هذه المعارضة صوغًا مزخرفًا وجدتها من جنس معارضة المعقول للمنقول.

وعارضوا آيات نبوته بمعارضة عقلية أخرى وهي قولهم: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا اَلرَّسُولِ يَأْكُلُ اُلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي اِلْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: ٧ - ٨] أي: لو كان رسولًا لخالق السماوات والأرض لما أحوجه أن يمشي بيننا في الأسواق في طلب المعيشة، ولَأغناه عن أكل الطعام، ولَأرسل معه مَلَكًا من الملائكة، ولَألقى إليه كنزًا يُغنيه عن طلب الكسب.

وعارضوا شرعه سبحانه ودينه الذي شرعه لهم على لسان رسوله وتوحيده بمعارضةٍ عقليةٍ استندوا فيها إلى (١) القَدَر، فقال تعالى: {سَيَقُولُ اُلَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اَللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ اَلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا


(١) «إلى» سقط من «ح». وأثبته من «م».