للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرض فتخرج تكلم النَّاس وتخاطبهم (١)، إلى غير ذلك ممَّا يُقيمون بعقولهم شُبهًا يُسمونها أدلةً عقليةً تُحيل ذلك، فمن قدَّم العقل على الوحي لم يمكنه أن يجزم بصدق شيءٍ من ذلك، والله المستعان.

الوجه الثَّاني والأربعون: أن هؤلاء عكسوا شِرعة الله وحكمته، وضادوه في أمره، فإن الله سبحانه جعل الوحي إمامًا، والعقل مؤتمًّا به، وجعله حاكمًا والعقل محكومًا عليه، ورسولًا والعقل مرسلًا إليه، وميزانًا والعقل موزونًا به، وقائدًا والعقل منقادًا له. فصاحب الوحي مبعوثٌ، وصاحب العقل مبعوثٌ إليه، والآتي بالشرع مخصوصٌ بوحي من الله، وصاحب العقل مخصوصٌ ببحثٍ عن رأيٍ وفكرةٍ، وصاحب الوحي ملقًّى (٢)، وصاحب العقل كادحٌ طالبٌ. هذا يقول: أُمرت، ونُهيت، وأُوحي إليَّ، وقيل لي، وما أقول شيئًا من تلقاء نفسي، ولا من قِبَل عقلي، ولا من جهة فكري ونظري. وذاك المتخلف يقول: نظرت، ورأيت، وفكرت، وقدَّرت، واستحسنت، واستنتجت.

والمتخلف يقول: معي آلة المنطق، والكليات الخمس (٣)، والمقولات


(١) جاء ذكرها في قول الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ اَلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ اَلْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ إِنَّ اَلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: ٨٤]. وأخرج مسلم (٢٩٠١) عن حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - خبرها.
(٢) أي: متلقى، مأخوذ من قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى اَلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: ٦].
(٣) الكليات الخمس: هي الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام. «المعجم الفلسفي» (٢/ ٢٣٩).