للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهل مخالفة الأدلة القطعية لِما أخبرت به الأنبياء عن الله أعظم من مخالفتها لهذه الأمور؟ والشُّبه العقلية التي تُذكر على استحالة هذه الأمور أكثر وأقوى من الشُّبه التي يذكرونها في معارضة نصوص الوحي، بل لا نسبة بينهما، فإذا تعارضت أدلة [ق ٥٣ أ] العقول بزعمكم وهذه الأمور ماذا تصنعون؟ أتقدمونها على أدلة العقول، فتدخلون في المؤمنين بالله ورسله، أم تكذبون بذلك وتقولون: العقل يناقض ذلك ويبطله؟!

ومعارضة العقل عندكم لهذه الآيات من جنس معارضته لخبر الأنبياء، لا فرق بينهما البتةَ. بل الشُّبه التي يقيمها أعداء الرُّسل من العقل على بطلان هذه الآيات أقوى من الشُّبه التي ذكرها الجهمية والنُّفاة على بطلان ما أخبرت به الرُّسل من صفات الله، وعلوِّه على خلقه، واستوائه على عرشه، وكلامه وتكليمه، وقيام أفعاله به.

فعُلم أن مَن قدَّم ما يظنُّه مِن العقل على نصوص الوحي لم يبق معه من الإيمان بالرُّسل عينٌ ولا أثرٌ، ولا حسٌّ ولا خبرٌ.

وإذا كان هذا حالهم في الأمور التي قد وقعت وشاهدها النَّاس بأبصارهم، فكيف حالهم في الإيمان ببشرٍ ينزل من السماء بين ملَكين واضعًا يديه على مناكبهما والنَّاس يرونه عيانًا (١)؟

وكيف حالهم في الإيمان بأن الشمس تطلع من مغربها والنَّاس يرونها عيانًا (٢)؟ وكيف بحالهم إلى غير ذلك ممَّا أخبر به الصَّادق، كدابةٍ تنشقُّ عنها


(١) يعني: حديث نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. وقد أخرجه مسلم (٢٩٣٧) عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري (٦٥٠٦) ومسلم (١٥٧) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.