للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصحاب التلبيس واللبس لا يُميِّزون هذا التمييز، ولا يُفصِّلون هذا التفصيل. ولو ميَّزوا وفصَّلوا لهُدوا إلى سواء السبيل، وعلموا مطابقة العقل الصريح للتنزيل، ولسلكوا خلف الدليل، ولكن فارقوا الدليل، وضلوا عن سواء السبيل.

الوجه الثالث والثلاثون بعد المائة: أن الأصل الذي قادهم إلى النفي والتعطيل واعتقاد المعارضة بين العقل والوحي أصلٌ واحدٌ، هو منشأ ضلال بني آدم، وهو الفرار من تعدد صفات الواحد وتكثر أسمائه الدالة على صفاته، وقيام الأمور المتجددة به. وهذا لا محذور فيه، وهو الحق [ق ٩٤ أ] الذي لا يثبت كونه سبحانه ربًّا وإلهًا وخالقًا إلَّا به، ونفيه جحدٌ للصانع بالكلية وإنكارٌ له.

وهذا القدر لازمٌ لجميع طوائف أهل الأرض على اختلاف مللهم ونحلهم (١)، حتى لمن جحد الصانع بالكلية وأنكره رأسًا؛ فإنه يضطر إلى الإقرار بذلك، وإن قام عنده ألف شبهةٍ أو أكثر على خلافه.

أمَّا من أقر بالصانع فإنه مضطرٌّ إلى أن يُقرَّ بكونه حيًّا عالمًا قادرًا مريدًا حليمًا فعالًا، ومع إقراره بهذا فقد اضطر إلى القول بتعدد صفات الواحد وتكثر أسمائه وأفعاله، فلو تكثرت بعدُ ما تكثرت لم يلزم من تكثرها وتعددها محذورٌ بوجهٍ من الوجوه.

وإن قال: أنا أنفيها جملةً، ولا أثبت تعددها بوجه.

قيل (٢) له: فهل تثبته موجودًا أم لا؟


(١) «ح»: «ينحلهم». وفي «م»: «وعلومهم».
(٢) «ح»: «فقيل». والمثبت من «م».