دليله العقلي على صحته بخلاف العكس، وكان القدح في الشرع قدحًا في هذا العقلي، وليس القدح في (١) هذا العقلي مستلزمًا للقدح في الشرع مطلقًا. وأمَّا ما سوى المعقول الدَّال على صحة الشرع فذلك لا يلزم من بطلانه بطلان الشرع، كما لا يلزم من صحته صحة الشرع.
الوجه الثَّاني والتسعون: أن هؤلاء المعارضين بين العقل والوحي هم في الأصل فرقتان: الفلاسفة وجهمية المتكلمين، وهؤلاء لهم طريقٌ قد سلكوها، وأولئك لهم طريقٌ أخرى، وكلٌّ من الفريقين ينقض حجج الفريق الآخر، ويبيِّن فساد طريقته، ثم كل فرقةٍ منهما تنقض بعضهم حجج بعضٍ. واعتبر هذا بالرَّازي والآمدي؛ فإنهما جمعا خلاصة ما ذكره النُّفاة من أهل الفلسفة والكلام، ثم إنهما أفسدا عامة تلك الطرق التي سلكوها، فكل طائفةٍ تُبطل الطريقة العقلية التي اعتمدت عليها الأخرى، بما يظهر به بطلانها بالعقل الصريح، وليسوا متفقين على طريقةٍ واحدةٍ.
وهذا يبيِّن خطأهم كلهم من وجهين:
من جهة العقل الصريح الذي يبيِّن به كل قومٍ فساد ما قاله الآخرون.
ومن جهة أنه ليس معهم معقولٌ اشتركوا فيه، فضلًا عن أن يكون من صريح المعقول، بل المقدمة التي تدعي طائفة من النظار صحتها تقول الأخرى هي باطلةٌ.
وهذا بخلاف مقدمات أهل الإثبات الموافقة لما جاء به الرَّسول؛ فإنها
(١) بعده في «ح»: «الشرع قدحًا في هذا العقلي، وليس القدح في». وهو تكرار، ربما نشأ من انتقال النظر.