علمنا بالدليل العقلي الدَّال عليه، ويلزم من علمنا بذلك الدليل العقلي علمنا بصحة الشرع، ويلزم أيضًا من ثبوت ذلك الدليل المعقول في نفس الأمر ثبوت الشرع، ولا يلزم من ثبوت الشرع ثبوت ذلك الدليل، وإذا كان العلم بصحة الشرع لازمًا للعلم بالمعقول الدَّال عليه وملزومًا له فمن الممتنع تناقض اللازم والملزوم، فضلًا عن تعارض المتلازمين.
فإن المتعارضين هما المتنافيان اللذان يلزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر، كالضدين والنقيضين، والمتلازمين يلزم من ثبوت كلٍّ منهما ثبوت الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه، فكيف يكون المتلازمان متعارضين متنافيين متناقضين أو متضادين؟!
فهؤلاء عمدوا إلى المتلازمين المتصادقين فأبطلوا أحدهما بالآخر، ولزم من بطلانه بطلانهما جميعًا كما تقدم بيانه (١)، وقد تبيَّن أن الدليل العقلي الذي به يُعلم صحة الشرع مستلزمٌ للعلم بصحة الشرع، ومستلزم لثبوت الشرع في نفس الأمر، وعِلْمنا بالشرع يستلزم العلم بالدليل العقلي الذي قيل إنه أصل الشرع، والعلم بصحة الشرع موقوفٌ عليه، وليس ثبوت الشرع في نفسه مستلزمًا لثبوت ذلك الدليل العقلي.
فعُلم [ق ٧٧ ب] أن ثبوت الشرع في نفس الأمر أقوى من ثبوت دليله العقلي في نفس الأمر، فإن ثبوت الشرع في علمنا أقوى من ثبوت دليله العقلي، إن قيل إنه يمكن أن يُعلم صحته بغير ذلك الدليل، وإلَّا كان العلم بهذا والعلم بهذا متلازمين، وإذا كان كذلك كان القدح في الشرع قدحًا في