للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلازمٌ من الطرفين.

وبيان ذلك هاهنا أنه إذا كان العقل هو الأصل الذي به عُرف صحة السمع ـ كما تقدم (١) ـ وقد بيَّنا أن العقل ليس أصلًا للسمع في ثبوته في نفس الأمر، بل هو أصلٌ في ثبوت علمنا (٢)، أي: دليل لنا على صحته. وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن الدليل يجب طرده، وهو ملزوم للمدلول عليه، فيلزم من ثبوت الدليل ثبوت المدلول عليه، ولا يجب عكسه، فلا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول، فإن المخلوقات آيات ودلائل على الخالق سبحانه يلزم من ثبوتها ثبوته، ولا يلزم من عدمها عدمه، ولا من وجوده وجودها، وكذلك الآيات الدَّالة على نبوة رسله. هذا إذا لم يكن الدليل لازمًا للمدلول عليه، فإن كان لازمًا أمكن أن يكون مدلولًا له؛ إذ المتلازمان يمكن أن يستدل بكلٍّ منهما على الآخر، مثل الحكم الشرعي الذي لا يثبت إلَّا بدليلٍ شرعيٍّ، فإنه يلزم من عدم دليله عدمه، وكذلك ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله إذا لم يُنقل فإنه يلزم من عدم نقله عدمه، وإذا كان من المعقول ما هو دليلٌ على صحة الشرع لزم من ثبوت ذلك المعقول ثبوت الشرع، ولم يلزم من ثبوت الشرع ثبوته في نفس الأمر.

لكن نحن إذا لم يكن لنا طريقٌ إلى العلم بصحة الشرع إلَّا ذلك العقل لزم من علمنا بالشرع علمنا بدليله العقلي الدَّال عليه، ولزم من علمنا بذلك الدليل العقلي علمنا به، فإن العلم بالدليل يستلزم العلم بالمدلول عليه. فإذا كان صحة الشرع لا تعلم إلَّا بدليلٍ عقليٍّ فإنه يلزم من علمنا بصحة الشرع


(١) تقدم (ص ٤٧٥ - ٤٧٧).
(٢) «ح»: «علمناه».