للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثالث والعشرون

في أسباب الخلاف الواقع بين الأئمة بعد اتفاقهم على أصلٍ واحدٍ وتحاكمهم إليه وهو كتاب الله وسُنَّة رسوله

ذكر الحميدي في هذا فصلًا من كلام أبي محمد بن حزم ـ وهو من أحسن كلامه ـ فرأينا سياقَه بلفظه، قال الحميدي (١):

«قال لنا الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد اليزيدي الفارسي في بيان أصل الاختلاف الشرعي وأسبابه:

تَطَلَّعَتِ النفسُ بعد تيقُّنها أن الأصل المتفَق عليه (٢) المرجوع إليه أصلٌ واحدٌ لا يَختلِف ـ وهو ما جاء عن صاحب الشرع؛ إمَّا في القرآن، وإمَّا من فِعْله أو قوله الذي لا ينطق عن الهوى فيه ـ لمَّا رأتْ (٣) وشاهدتْ من اختلاف علماء الأُمة فيما سبيله [ق ٣١ أ] واحدٌ وأصله غير مختلف، فبحثتْ عن السبب الموجِب للاختلاف، ولِتَرْكِ مَن ترك كثيرًا ممَّا صحَّ من السُّنن، فوضح لها بعد التفتيش والبحث أن كل واحدٍ من العلماء بشرٌ ينسى كما ينسى البشر، وقد يحفظ الرجل الحديث ولا يحضره ذكره، فيُفتي بخلافه. وقد يَعرض هذا في آي القرآن، ألا ترى أن عمر - رضي الله عنه - أَمَرَ على المنبر ألَّا يُزاد مهور النساء على عَدَدٍ ذَكَرَه ميلًا إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَزِدْ على ذلك العدد


(١) «الجمع بين الصحيحين» (٤/ ٣٢٣ - ٣٢٨). وأصله في «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (٢/ ١٢٤ - ١٣٠).
(٢) «عليه» سقط من «ح».
(٣) في النسختين: «رأيت». والمثبت من «الجمع بين الصحيحين».