للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه التاسع والعشرين: إنه من المعلوم أن كونه سبحانه يستحق المدح، والمحامد أبين في الشرع والعقل والفطرة من كونه لا يفرح، والواجب أن يستدل بالمعلوم على المجهول، وبالواضح على الخفي. أمَّا أن يُستدل بانتفاء (١) الفرح على انتفاء كونه مستحقًّا للمدح فهذا من أبطل الباطل، وهو خروج عن مقتضى السمع والعقل، وهو من فعل أهل التلبيس والتدليس. وإذا تبيَّن ذلك عُرف أن هؤلاء الجهمية المعطلة الذين يذكرون ما وصف الله به نفسه من الرضا والفرح والمحبة يلزم لزومًا بيِّنًا (٢) أن يجحدوا حمده سبحانه ومدحه والثناء عليه واستحقاقه لذلك، بموجب هذه القضية الكاذبة الباطلة التي قرَّروها. وهذا شأن جميع قضاياهم الكاذبة التي تتضمن تعطيل ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله، فإنها تستلزم إثبات الباطل وإبطال الحقِّ، ويأبى الله إلَّا أن يُقيم لدينه من يذبُّ (٣) عنه، والحمد لله رب العالمين.

الوجه الثلاثون بعد المائتين: أن يقال: قولكم: إن المدح والذم لا معنى لهما إلَّا مجرد (٤) الخبر عن استحقاق ما يفرح ويؤلم، ليس كذلك. والتحقيق أن فيهما معنًى زائدًا على الخبر المجرد، سواء دلَّ اللفظ على ذلك المعنى الزائد [ق ١٢٨ أ] بالتضمن أو باللزوم، فإن الحامد المادح يقترن بحمده ومدحه محبة المحمود والرضا عنه وتعظيمه، وكذلك الذامُّ يقترن بذمِّه بُغض المذموم وتنقصه وقلاه. ولهذا فسَّر كثيرٌ من الناس الحمد بالرضا


(١) «ح»: «بانتفاح».
(٢) «ح»: «نفيا».
(٣) «ح»: «عذت». ولعل المثبت هو الصواب.
(٤) «ح»: «بمجرد».