للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختاره الآمدي في «أبكاره» (١) وغيره، فالآمدي فسَّره بالرضا وهو من باب الإرادات، والرازي فسره بالخبر وهو من باب الاعتقادات.

والتحقيق أن الحمد والذمَّ يتضمن الأمرين جميعًا، فالمادح يعتقد أن في الممدوح والمحمود ما يحبه ويرضى به ويفرح به، ويكون مع هذا الاعتقاد والخبر في قلبه من محبته والرضا به والفرح ما استحق به أن يكون حامدًا له ومادحًا. وهذا أمر يجده الحامد المادح من نفسه إذا كان مادحًا بحقٍّ وصدقٍ، بخلاف المدح بالباطل فإنه كذبٌ لا يستلزم شيئًا من ذلك. فالمدح والحمد أصلهما الخبر، ويتبعه الحب والرضا. والذمُّ أصله الخبر ويتبعه البغض والسخط. والصلاة على من يُصلَّى عليه أصلها الطلب والإرادة ويتبعها الخبر. ولعنة من يُلعن أصلها طلب إهانته وإقصائه ويتبعها الخبر. وهذان النوعان من الخبر، وهما الإخبار عن الشيء بالخبر السيئ وطلب السوء له، والإخبار عنه بالخبر الحسن وطلب الخير له. الأول أصل اللعن، والثاني أصل الصلاة. وهو سبحانه يلعن أعداءه ومن يفعل ما يبغضه ويسخطه، ويُصلِّي على أوليائه وأهل طاعته وذكره.

وفي «صحيح مسلم» (٢) عنه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَكُونُ الطَّعَّانُونَ وَاللَّعَّانُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». فإن الشهادة من باب الخبر والشفاعة من باب


(١) «ح»: «وأبطاره». وهو تحريف، وهذا نص كلام الآمدي في «أبكار الأفكار» (٢/ ١٩١): «أما الحمد فقد قيل: هو الشكر. ومنه يقال: الحمد لله شكرًا، فيجعل الشكر مصدر الحمد. وقيل: الحمد هو الرضا. ومنه يقال: الحمد لله حق حمده. أي حق رضاه».
(٢) (٢٥٩٨) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -. دون لفظ: «الطعانون».