للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها الرَّسول لا تفيدنا علمًا ولا يقينًا» من أعظم أنواع السَّفسطة، وأكثر أسباب الزَّندقة، وأنَّ هؤلاء شرٌّ من اللاأدرية (١)، وشرٌّ من الباطنية.

الوجه الرَّابع عشر: أن دلالة الأدلة اللفظية على مراد المتكلِّم أقوى من دلالة الأدلة العقلية على الحقائق الثَّابتة ـ كما تقدَّم تقريره (٢) ـ فكيف بدلالة المقدِّمات المشتبهة التي غايتها أن يكون فيها حقٌّ وباطلٌ، وليس مع أصحابها إلَّا إحسان الظنِّ بمَن قالها، فإذا طُولِبوا بالبرهان على صحَّتها قالوا: هكذا قال العقلاء، وهذا أَمْرٌ قد صَقَلَتْه أذهانهم، وقَبِلَته عقولهم. فبين دلالة الأدلة اللفظية على مراد المتكلم ودلالة هذه المقدِّمات على الحقائق تفاوتٌ عظيمٌ، فكيف تفيد هذه اليقين دون تلك، وهل هذا إلَّا قَلْبٌ للفِطَر وتعكيسٌ للأذهان؟!

الوجه الخامس عشر: أن دلالة قول الرَّسول على مراده أكمل من دلالة شبهات هؤلاء العقلية على معارضته بما لا نسبة بينهما، فكيف تكون شبهاتهم تُفيد اليقين، وكلام الله ورسوله لا يُفيد اليقين؟!

الوجه السَّادس عشر: أنك إذا تأمَّلْت العقليات التي زعموا أنها تُفيد اليقين وقدَّموها على كلام الله ورسوله وجدتها مخالفةً لصريح المعقول، وقد اعترفوا أنها مخالفةٌ لظاهر المنقول، وهذا لا يُعرف إلَّا بالامتحان.

كحُكْم عقولهم بأن العَرَض لا يبقى زمانينِ، وأن الأجسام كلَّها متماثلة،


(١) «ب»: «البلادرية». والمثبت هو الصواب، وسيأتي (ص ٥٦٧) قول المصنف عن خلفهم: «اللاأدرية الذين يقولون: لا ندري معاني هذه الألفاظ، ولا ما أريد منها، ولا ما دلت عليه».
(٢) تقدم (ص ٣٥٠).