للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا، أو بإقبال كلٍّ منهما على مَن فسر (١) {دَبَرَ} بأنه دَبَرُ النهار، أي: جاء في دبره، و {عَسْعَسَ} بأقبل. فعلى هذا القول يكون الإقسام بإقبال الليل وإقبال النهار. وعلى القول الأول يكون قد وقع الإقسام بإدبار الليل وإقبال النهار، وقد يُقال: وقع الإقسام في الاثنين بالنوعين (٢).

وأمَّا البيان الذي يُحيل المتكلم عليه، فكما أحال الله سبحانه وتعالى على رسوله في بيان ما أمر به عباده من الصلاة والزكاة والحج وفرائض الإسلام التي إنما عُلم مقاديرها وصفاتها وهيئاتها من بيان الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -.

فلا يخرج خطاب القرآن عن هذه الوجوه. ولم يخاطب الله عباده بلفظٍ إلَّا وقد بيَّن لهم مراده به بأحد هذه الوجوه الأربعة، فصار الخطاب مع بيانه مفيدًا لليقين بالمراد منه، وإن لم يكن بيانه متصلًا به، وذلك لا يَعزِل كلام الله ورسوله عن إفادته العلم واليقين.

الوجه الثَّامن والخمسون: أن حصول اليقين بمدلول الأدلة السمعية والعلم بمراد المتكلم بها أيسر وأظهر من حصوله بمدلول الأدلة العقلية، فإن الأدلة السمعية تدل بقصد الدَّال وإرادته، وعِلْمُ المخاطب بذلك أَيسَرُ عليه من علمه باقتضاء الدليل [ق ٤٠ أ] العقلي بمدلوله.

ولهذا كان أوَّل ما يفعله الطفل معرفة مراد أبوَيْه بخطابهما له قبل عِلْمِه بالأدلة العقلية.

وأيضًا فمَن قَصَدَ تعليم غيره مقتضى الدليل العقلي لم (٣) يُمكِنْه ذلك


(١) «ح»: «فسره». والمثبت من «م».
(٢) ينظر «التبيان في أيمان القرآن» للمصنف (ص ٨٦ - ٨٧، ١٩٠ - ١٩١).
(٣) «ح»: «كمن». والمثبت هو الصواب.