للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاختاروا أي قسمٍ شئتم من هذه الأقسام.

والظَّاهر أنكم متنازعون في الاختيار، وأن عقلاءكم مختارون أن الرَّسول كان يعرف الحقَّ في خلاف ما أخبر به، وإن كان قادرًا على التعبير عنه، ولكن ترك ذلك خشية التنفير، فخاطب النَّاس خطابًا جمهوريًّا يناسب عقولهم بما الأمر بخلافه. وهذا أحسن أقوالكم إذا آمنتم بالرَّسول وأقررتم بما جاء به.

الوجه السَّابع والثلاثون: أنه إذا جُوِّز أن يكون في العقل ما يُعارض ما أخبر به الرَّسول كان الإيمان الجازم موقوفًا على العلم بانتفاء ذلك المُعارض، ومشروطًا به، والمشروط بالشيء يُعدم عند عدمه، ومعلومٌ أن ما يستخرجه النَّاس بعقولهم أَمْرٌ لا غاية له، سواء (١) كان حقًّا أو باطلًا.

فإذا جوَّز المجوز أن يكون في المعقولات ما يناقض خبر الرَّسول لم يمكنه أن يثق (٢) بشيءٍ من أخبار الرَّسول؛ لجواز أن يكون في المعقولات التي لم تظهر له بعدُ ما يناقض خبره.

فإن قال: أنا أقرُّ من السمعيات بما لم ينفه العقل، وأثبت من الصِّفات ما لم يخالفه العقل؛ لم يكن لقوله ضابطٌ، فإنه وقف التصديق بالسمع على أمرٍ لا ضابط له، وما كان مشروطًا بعدم أمرٍ لا ينضبط لم ينضبط. فلا يبقى مع هذا الأصل إيمانٌ جازمٌ البتةَ.

ولهذا تجد من تعوَّد معارضة الشرع بالرَّأي لا يستقر في قلبه إيمانٌ أبدًا، ولا يكون الرجل مؤمنًا حتى يؤمن بالرَّسول إيمانًا جازمًا، ليس مشروطًا


(١) «ح»: «سواءهم».
(٢) بعده في «ح»: «به». وهي زائدة.