للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن له نظرٌ صحيحٌ وفكرٌ مستقيمٌ وأعطى التأمُّل حقَّه شهد بذلك فيما رآه وعلمه، واستدل بما شاهده على ما خفي عنه؛ فإن الكل صُنْع الحكيم العليم. ويكفي في هذا ما يعلمه من حكمة خلق الحيوان وأعضائه وصفاته وهيئاته ومنافعه واشتماله (١) على الحكمة المطلوبة منه أتم اشتمال. وقد ندب سبحانه عباده إلى ذلك، فقال: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] وقال: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى اَلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: ١٧] إلى آخرها.

وكذلك جميع ما يشاهد من مخلوقاته عاليها وسافلها وما بين ذلك إذا تأمَّلها صحيحُ التأمل والنظر وجدها مؤسسة على غاية الحكمة مغشاة بالحكمة، فيقرأ (٢) سطور الحكمة على صفحاتها، وينادي عليها: هذا صنع العليم الحكيم، وتقدير العزيز العليم (٣). فإن وجدت العقول أوفق من هذا فلتقترحه، أو رأت أحسن منه فلتُبده ولتوضحه! ذلك صنع {اُلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرى فِي خَلْقِ اِلرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَاَرْجِعِ اِلْبَصَرَ هَل تَّرى مِن فُطُورٍ (٣) ثُمَّ اَرْجِعِ اِلْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ اَلْبَصَرُ خَاسِئًا وَهْوَ حَسِيرٌ} [الملك: ٣ - ٤].

ومن نظر في هذا العالم وتأمَّل أمره حقَّ التأمُّل علم قطعًا أن خالقه أتقنه وأحكمه غاية الإتقان والإحكام، فإنه إذا تأمَّله (٤) وجده كالبيت المبني المُعَدِّ


(١) «ح»: «واستعماله». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «فقرأ».
(٣) قد ذكر المصنِّف - رحمه الله - في كتابه «مفتاح دار السعادة» تأملات كثيرة في خلق الله تعالى قد لا تجدها مجموعة في كتابًا آخر.
(٤) «ح»: «تأمل».