التعلق بكل مسموعٍ ومرئيٍّ. فهذا من لوازم صفاته، فلا بد أن تكون حكمته عامة التعلق بكل ما خلقه وقدره وأمر به ونهى عنه. وهذا أمرٌ ذاتي للصفة يمتنع تخلفه وانفكاكه عنها. كما يمتنع تخلف الصفة نفسها وانفكاكها عنه.
وهذا وحده برهانٌ كافٍ شافٍ في إبطال تلك الأسولة كلها، وأنها تكفي في إبطالها إثباتُ عموم [ق ١٣٦ أ] تعلق صفاته، وذلك يستلزم إثبات الصِّفات، وهي تستلزم إثبات الذات. فإثبات ذات الربِّ تعالى كافٍ في بطلان الأسولة الإبليسية.
نعم، الجهمي المعطل وأصحابه يعجزون عن الجواب عنها على هذه الطريق، وإن أجابوا عنها على غيرها لم يشفوا عليلًا ولم يرووا غليلًا؛ إذ هي أجوبةٌ مبنيةٌ على أصولٍ باطلةٍ، والمبنية على الباطل لا تكون صحيحة من كل وجهٍ. وقد قدَّمنا مجامع طُرق الناس في الأجوبة، وبان أن الأصول الفاسدة خذلتهم عن الجواب الصحيح الشافي.
الوجه الخامس عشر: أن الله سبحانه فطر عباده حتى الحيوان البهيم على استحسان وضع الشيء في موضعه، والإتيان به في وقته، وحصوله على الوجه المطلوب منه، وعلى استقباح ضدِّ ذلك وخلافه، وأن الأول دالٌّ على كمال فاعله وعلمه وقدرته وخبرته، وضدُّه دالٌّ على نقصه وعلى نقص علمه وقدرته وخبرته. وهذه فطرة لا يمكنهم الخروج عن موجبها، ومعلوم أن الذي فطرهم على ذلك وجعله فيهم أولى به منهم. فهو سبحانه يضع الأشياء في مواضعها التي لا يليق بها سواها، ويخصها من الصِّفات والأشكال والهيئات والمقادير بما هو أنسب (١) بها من غيره، ويبرزها في أوقاتها وأزمنتها المناسبة لها التي لا يليق بها سواها.