للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الحادي عشر (١)

في أن قصْدَ المتكلم من المخاطب حملَ كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته ينافي قصدَ البيان والإرشاد والهدى، وأن القصدين يتنافيان (٢)، وأنَّ تركَه بدون ذلك الخطاب خيرٌ له وأقرب إلى الهدى

لمَّا كان المقصود بالخطاب دلالة السَّامع وإفهامه مرادَ المتكلم بكلامه، وتبيينه له ما في نفسه من المعاني ودلالته عليها بأقرب الطرق، كان ذلك موقوفًا (٣) على أمرين: بيان المتكلم، وتمكُّن السامع من الفهم.

فإن لم يحصل البيانُ من المتكلم، أو حصل ولم يتمكن السامع من الفهم، لم يحصل مراد المتكلم. فإذا بيَّنَ المتكلم مرادَه بالألفاظ الدالة على مراده، ولم يعلم السامع معانيَ تلك الألفاظ، لم يحصل له البيان. فلا بد مِن تمكُّن السامع من الفهم، وحصول الإفهام من المتكلم.

فحينئذٍ لو أراد اللهُ ورسوله من كلامه خلافَ حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب لَكان قد كلَّفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه، بل بما يدل على نقيض مراده، وأراد منه فَهْمَ النفي بما يدل على غاية الإثبات، وفَهْمَ الشيء بما يدل على ضدِّه، وأراد منه أن يفهم أنه ليس فوق العرش إلهٌ يُعبَد، ولا إله يُصَلَّى له (٤) ويُسجَد، وأنه لا داخلَ العالَم ولا خارجَه ولا فوقه


(١) في «ح»: «العاشر». والمثبت من الفهرس المتقدم في مقدمة الكتاب.
(٢) «ح»: «ينافيان». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «مرفوعًا». والمثبت من «م».
(٤) «ح»: «إليه».