البتة، وعندكم أعظم التنزيه السلب والنفي الذي هو جماع ما عاب به آلهة المشركين.
الوجه السابع والثلاثون بعد المائة: أن الطوائف كلها اتفقت على إثبات موجود واجب بنفسه، قديم أزلي، لا يجوز عليه العدم، [ق ٩٥ ب] ثم تنازعوا فيما يجب له ويمتنع عليه تنازعًا لا يحصيه إلَّا رب العباد، ولم تختلف مقالات أهل الأرض في شيءٍ كاختلافهم في ربِّهم تعالى.
وأحدث الأمم عهدًا هذه الأمة، وهذه مقالاتهم قد فاقت الحصر، وقد حكى منها أهل المقالات ما بلغهم، وأعظم من استوعبها الأشعري في «مقالاته». وقد حَدَثَ بعده مقالات لم يحكها، ولم يودعها كتابه. وكلٌّ يدَّعي أن العقل دلَّه على تلك المقالة وصحتها، وإذا جاء السمع بخلافها لجأ إلى طاغوت من هذه الطواغيت الأربع.
ومقالة النُّفاة المعطلة شرُّ مقالات أهل الأرض على الإطلاق، وأشدها مناقضة للمعقول والمنقول، فإنهم يصفونه بصفات المعدوم الصِّرْف، بل بصفات الممتنع الوجود، يعني: بصفات المعدوم. والممتنع ما يُخبر به عنه ويحكم به عليه، وإلا فليس هناك صفة ولا موصوف. فيقولون: ليس هو فوق خلقه، ولا هو مستوٍ على عرشه، ولا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلًا به، ولا منفصلًا عنه، ولا مباينًا له، ولا محايثًا، ولا مجاورًا، ولا فوق ولا تحت، ولا يصعد إليه شيءٌ، ولا ينزل من عنده، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا رفع المسيح إليه، ولا عرج برسوله إليه ودنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، ولا يقرب منه شيءٌ، ولا يقرب من شيءٍ، ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، ولا يأتي يوم القيامة في ظُللٍ من الغمام،