للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دلالة العقل، وإذا بَطَلت دلالته لم يصلح أن يكون معارضًا (١) للنقل؛ لأن ما ليس بدليلٍ لا يصلح لمعارضة الدليل، فكان تقديم العقل موجبًا لعدم تقديمه، فلا يجوز تقديمه. وهذا بيِّن جدًّا فإن العقل هو الذي دلَّ على صدق السمع وصحته، وأن خبره (٢) مطابقٌ لمخبره، فإمَّا أن تكون هذه الدلالة صحيحة أو باطلة، فإن كانت صحيحة امتنع أن يكون في العقل ما يبطلها، وإن كانت باطلة لزم ألَّا يكون العقل دليلًا صحيحًا، وإذا لم يكن دليلًا صحيحًا لم يتبع بحالٍ، فضلًا أن يُقدَّم على الدليل السمعي الصحيح، فصار تقديم العقل على النقل قدحًا في العقل؛ بانتفاء لوازمه ومدلوله، وإذا كان تقديمه على النقل يستلزم القدح فيه، والقدح فيه يمنع دلالته، وذلك يمنع معارضته = استحال تقديمه عند المعارضة، لأن تقديمه عند المعارضة يبطل المعارضة، وذلك يحيل المسألة من أصلها. يوضحه:

الوجه الثلاثون: وهو أن يُقال: معارضة العقل لما دلَّ العقل على أنه حقٌّ دليلٌ على تناقض دلالته، وذلك يوجب فسادها. وأمَّا السمع فلم يُعلم فساد دلالته، ولا تعارضها وتناقضها في نفسها، وإن قُدر أنه لم يعلم صحتها، وإذا تعارض دليلان: أحدهما عَلِمنا فساده، والآخر لم نعلم فساده، كان تقديم ما لم يُعلم فساده أقرب إلى الصواب من تقديم ما يُعلم فساده، وهذا كالشَّاهد إذا عُلِم كَذِبه وفِسْقه لم يَجُزْ تقديم شهادته على شاهدٍ مجهولٍ لم يُعلم كذبه، فكيف إذا كان [ق ٤٩ ب] الشَّاهد الكاذب هو الذي شهد بأنه قد كذب في بعض شهاداته؟!


(١) «ح»: «تعارضا».
(٢) «ح»: «أخبره».