للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى بيان المذكور، فلا يُقال: إن كلامه دلَّ عليه بالإضمار؛ فإن هذا كَذِبٌ صريحٌ عليه. فتأمَّلْه فإنه واضحٌ.

الوجه الثَّامن والثلاثون: قوله: «وعدم التقديم والتَّأخير». فهذا أيضًا من نمط ما قبله، فإنَّ نَظْمَ الكلام الطبيعي المعتاد ـ الذي علَّمه الله للإنسان نعمة منه عليه ـ أن يكون جاريًا على المألوف المعتاد منه، فالمقدَّم مقدمٌ، والمؤخَّر مؤخرٌ، فلا يَفهَم أحدٌ قطُّ من المضاف والمضاف إليه في لغة العرب إلَّا تقديم هذا وتأخير هذا، وحيث قدَّموا المؤخَّر، من المفعول ونحوه، وأخَّروا المقدَّم من الفاعل ونحوه، فلا بدَّ أن يجعلوا في الكلام دليلاً على ذلك؛ لئلا يَلتَبِس الخطاب. فإذا قالوا: ضَرَبَ زيدًا عمرٌو لم يكن في هذا التقديم والتَّأخير إلباسٌ، فإذا قالوا: ضَرَبَ موسى عيسى لم يكن عندهم المقدَّمُ إلَّا الفاعلَ، فإذا أرادوا بيان أنه المفعول أتَوْا بما يدلُّ السَّامع على ذلك من تابعٍ منصوبٍ يدلُّ على أنه مفعولٌ.

فلا يأتون بالتقديم والتَّأخير إلَّا حيث لا يلتبس على السَّامع، ولا يقدح في بيان مراد المتكلم، كقوله تعالى: {* وَإِذِ اِبْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة: ١٢٣] وقوله: {لَن يَنَالَ اَللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} [الحج: ٣٥] وقوله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ اُلْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٦] وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأيَةً} [الشعراء: ٧] وقوله: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا} [الأعراف: ٨١] ونحوه، فهذا من التقديم الذي لا يَقدَح في المعنى ولا في الفَهْم، وله أسباب تُحسِّنه وتقتضيه، مذكورةٌ في عِلْم المعاني والبيان.

وأمَّا ما يُدَّعى من التقديم والتَّأخير في غير ذلك كما يُدَّعى من التقديم في قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّءا بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: ٢٤] وأن هذا