للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد تقدم فيه جواب «لولا» عليها، فهذا أوَّلًا لا يُجِيزه النحاةُ (١)، ولا دليل على دعواه، ولا يَقدَح في العلم بالمراد.

وكذلك ما يَدَّعون من التقديم والتَّأخير في قوله: {اَذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَاَنظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: ٢٨] [ب ٩٧ أ] قالوا: تقديره فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تَوَلَّ عنهم (٢). فكأنهم لمَّا فهموا من قوله: {تَوَلَّ عَنْهُمْ} مجيئه إليه ذاهبًا عنهم، احتاجوا إلى أن يتكلَّفوا ذلك، وهذا لا حاجة إليه، وإنما أَمَرَه بما جَرَتْ به عادةُ المرسِل كتابَه إلى غيره، لِيَعْلَمَ ما يَصنَع به، أن يُعطِيَه الكتاب ثم يَنعَزِلَ عنه حتى ينظر ماذا يقابله به، وليس مراده بقوله: {تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي أَقبِلْ إليَّ، ولو أراد ذلك لقال: فأَلْقِه إليهم وأَقبِلْ. وقد عُلم من كونه رسولًا له أنه لا بدَّ أن يرجع إليه، فليس في ذلك كبيرُ فائدة، بخلاف أَمْرِه بتأمُّلِه أحوالَ القوم عند قراءة كتابه وقد انعزل عنهم ناحيةً.

والتقديم والتَّأخير نوعان:

نوع يُخِلُّ تقديم المؤخَّر وتأخير المقدَّم فيه بفَهْم أصل المعنى، فهذا لا يقع في كلامِ مَن يقصد البيان والتفهيم، وإنما يقع في الألغاز والأحاجي وما يقصد المتكلم تعميةَ المعنى فيه. وقد يقع بسبب شدة الاختصار وضيق


(١) مِمَّن صرَّح بعدم جواز هذا التقديم والتأخير: الزجاج في «معاني القرآن» (٣/ ١٠١) والطبري في «التفسير» (١٣/ ٨٦) والنحاس في «إعراب القرآن» (٢/ ٣٢٣) وغيرهم.
(٢) أخرجه الطبري في «التفسير» (١٨/ ٤٥) عن ابن زيد. وذهب إلى وقوع التقديم والتأخير في الآية: الأخفش في «معاني القرآن» (١/ ٣٢٨) والزجاج في «معاني القرآن» (٤/ ١١٧) وأبو علي الفارسي في «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ١٤٠).