للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خالَفَ الرُّسُل في الأعمال: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسِبُهُ اُلظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اَللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاَللَّهُ سَرِيعُ اُلْحِسَابِ} [النور: ٣٨]. فهذا مثل أعمال هؤلاء، وعلوم أولئك.

ولا ريب أن الظن المستفاد من الأدلة السمعية خيرٌ من هذا الجهل المركب، إلَّا أن يقول أرباب القانون: إن الأدلة اللفظية لا يستفاد منها علمٌ ولا ظنٌّ البتةَ. ولا يبتعد هذا من قولهم، وهم يقولون: إن ظاهرها باطلٌ وتشبيهٌ وتجسيمٌ. وإذا انتهى الأمر إلى هنا انتقلنا إلى إثبات أن محمدًّا رسول الله؛ فإن زاعم ذلك غير مقرٍّ برسالته (١) في نفس الأمر، كما تقدَّم (٢)، والله أعلم.

الوجه الثَّامن والستون: أن هذا يتضمن القدح في أعظم آيات الربِّ الدَّالة على ربوبيته وحكمته، وجحد ما هو من أعظم نِعَمه على عباده.

أمَّا الأول فلأن الله سبحانه جعل من آيات ربوبيته الهداية العامة لخلقه، كما قال: {سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى (١) اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّى (٢) وَاَلَّذِي قَدَّرَ فَهَدى} [الأعلى: ١ - ٣] وقال فرعون لموسى: {فَمَن رَّبُّكُمَا يَامُوسَى (٤٨) قَالَ رَبُّنَا اَلَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى} [طه: ٤٨ - ٤٩]. فهَدَى كلَّ نَفْسٍ لجَلْب ما يُصلِحها وينفعها، ودَفْع ما يَضُرُّها ويُفسِدها، وخصَّ النوع الإنساني بأنواع أُخر من الهداية التي يعرفها ويتمكن من النطق بها لهداية غيره. ومن أعلى أنواع هذا الهدى هدى البيان والدلالة، وتعريف الإنسان ومعرفته مراده ومراد غيره، وذلك إنما هو بصفة النُّطْق التي هي أظهر ما في الإنسان، ولذلك شبَّه الله سبحانه بها ما أخبر به من الغيب فقال: {فَوَرَبِّ اِلسَّمَاءِ وَاَلْأَرْضِ إِنَّهُ


(١) «ح»: «مقربه ساكنه». وهو تحريف عجيب.
(٢) تقدم (ص ١١٢).