للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذات الأخرى تحب كلَّ جميلٍ من الأقوال والأفعال والأخلاق والشِّيم، وتفرح به، وترضى به، وتبغض كل قبيحٍ يُسمى، وتكرهه وتمقته، وتَمقُت أهله، وتصبر على الأذى، ولا تجزع منه ولا تتضرَّر به [ق ١٢٢ أ].

= كانت هذه الذات أكمل من تلك الموصوفة بصفات العدم والموات والجهل الفاقدة للحسِّ، فإن هذه الصِّفات لا تُسلب إلَّا عن الموات، أو عمَّن فقد حسَّه، أو بلغ في النهاية والضعف والعجز والجهل إلى الغاية التي لم تدَعْ له حبًّا ولا بُغضًا ولا غضبًا ولا رضًى. بل اليهود الذين وصفوه بالغمِّ والحزن والبكاء والندم أحسن حالًا من الذين سلبوه هذا الكمال، كما أن المُشبِّهة المحضة خيرٌ من المعطلة النُّفاة لصفات كماله وحقائق أسمائه الحسنى. وأهل الحقِّ أنصار الله ورسوله وكتبه والسُّنَّة (١) براء من الفريقين.

الوجه الرابع: أنه لا كمالَ في مجرد سلب ذلك عنه، كما قدمنا (٢) أن السلب إن لم يتضمن إثباتًا، وإلَّا (٣) لم يكن مدحًا ولا كمالًا. فليس له من مجرد كونِه لا يحب ولا يرضى ولا يفرح ولا يضحك ولا يغضب، حمدٌ ولا كمالٌ؛ فإنه نفيٌ صرفٌ وعدمٌ محضٌ، فلا يُحمد به. وهذا بخلاف نفي الغمِّ والهمِّ والحزن والندم عنه؛ فإنه يتضمن ثبوتًا، وهو كمال قدرته وعلمه، فإن أسباب هذه الأمور إمَّا عجزٌ منافٍ للقدرة، وإمَّا جهلٌ منافٍ للعلم؛ وكمال قدرته وعلمه يناقض وصفه بذلك. وهذا وغيره ممَّا يُبيِّن أن النُّفاة المعطلة أقل الناس تحميدًا وتمجيدًا وتسبيحًا وثناءً على الله، وأن أهل


(١) الواو ليست في «ح».
(٢) تقدم (ص ٦٥٣ - ٦٦١).
(٣) كذا والسياق يستقيم دون «وإلا».