للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى الترمذي (١) وغيره من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ. قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كِتَابُ اللهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسُنُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى اَلرُّشْد} [الجن: ١ - ٢] مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».

الوجه السَّابع والعشرون: أن ما عارض به هؤلاء نصوص الأنبياء من المعقولات قد شهدوا على أنفسهم بالحَيْرة والشك فيها، وأنهم لم يجزموا فيها بشيءٍ، ولم يظفروا منها بعلمٍ ولا يقينٍ ـ كما تقدم ذكر اليسير منه عن أفاضلهم (٢) ـ وشهد به عليهم تناقضهم واضطرابهم واختلافهم، فإن ما كان من عند غير الله لا بد أن يقع فيه الاختلاف الكثير، وشهد عليهم بذلك أتباع الرَّسول، وشهد به عليهم مَن هو على كل شيءٍ شهيدٌ، وسيشهد به عليهم يوم


(١) «جامع الترمذي» (٢٩٠٦). وأخرجه الدارمي في «مسنده» (٣٣٧٤) والبزار في «مسنده» (٨٣٦) والطبراني في «المعجم الكبير» (٢٠/ ٨٤) من طريق ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث عن علي - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: «حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال».
(٢) تقدم في مقدمة الكتاب (ص ١٦ - ١٧).