للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجود كل شيءٍ في وقته على صفةٍ ومقدارٍ وجعل لكل شيءٍ قدرًا.

قلت: هذا حقٌّ في نفسه، ولكن هو حجة عليك لا لك، فإنه سبحانه كما أراد وجود كل شيءٍ في وقته على صفةٍ ومقدارٍ يختص به، فهكذا محبته ورضاه لما يرضى به وفرحه بما يفرح به سواء.

الوجه التاسع عشر: أنَّا متى رجعنا إلى الموجود، فمتى علمنا أن أحدنا إذا كانت إرادته جازمةً وقدرته تامةً وجب وجود الفعل منه مقترنًا بإرادته وقدرته، ولا يتأخر الفعل إلَّا لعدم كمال القدرة أو لعدم كمال الإرادة. وهذا أمرٌ يجده الإنسان من نفسه، وهذا النافي لا يُنازع في ذلك ويُقرُّ به ويُقرِّره، فإذا كان هذا حالنا فيما نريده ونقدر عليه، فإذا كان الله عندك قادرًا مريدًا إرادةً جازمةً وجب وجود جميع مراده في الأزل، وذلك محالٌ، ووجب ألَّا يكون في الأزل لأنه متعاقب وهو محالٌ؛ لوجود القدرة التامة والإرادة الجازمة، وما أفضى إلى المحال فهو محالٌ، فيلزم انتفاء القدرة والإرادة كما ذكرتَ في انتفاء المحبة والفرح والرضا الذي أدخلته في قسم اللذة سواءً بسواءٍ. ومهما أجبت (١) به عن هذا فهو بعينه جوابنا لك.

إن قلتَ: إن إرادة الله لا تقاس بإرادة خلقه.

قيل لك: وفرحه ورضاه لا يقاس بفرحهم ورضاهم.

وإن قلت: إرادة الله تخصيص الأشياء بخواصها.

قيل لك: هذا بعينه موجودٌ في محبته ورضاه؛ فإنه مستلزم للإرادة أو نوعٍ منها، وذلك مستلزم لما نفيته من لوازمه. وهو للفلاسفة ألزم، فإن كل كائن


(١) «ح»: «أجيب».