للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الخامس والعشرون بعد المائة: أن الدِّين تصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر. وكلٌّ منهما نوعان: مطلقٌ ومقيدٌ.

فالمقيد مثل أن يقول: لا أصدقه إلَّا فيما علمت صحته بعقلي أو فيما [لا] (١) يخالف عقلي أو وافقه فيه شيخي وإمامي وأصحاب مذهبي.

والمقيد من طاعة الأمر أن يطيعه فيما وافق حظَّه وهواه، فإن جاء أمره بخلاف ذلك قدم حظَّه وهواه عليه. فهذا غير مطيعٍ للرسول في الحقيقة، بل هو متبعٌ لهواه، كما أن ذاك غير مصدقٍ له في الحقيقة، بل إن وافق قوله عقله أو قول شيخه وإمامه ومتبوعه قبله لا لكونه قاله، كما أن مطيعه فيما وافق هواه إنما هو متبعٌ لما يحبه ويهواه، فإن جاء الأمر بما يهواه فعله، وإلا لم يفعله. وهذا حال أكثر الناس، وأحسن أحوال هؤلاء أن يكونوا من الذين قال الله فيهم: {* قَالَتِ اِلْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ اِلْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اُللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَئْلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: ١٤].

ثم ذكر وصف أهل الإيمان فقال: {إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اِللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ اُلصَّادِقُونَ} [الحجرات: ١٥].

فالتصديق والطاعة لا يكون إيمانًا حتى يكون مطلقًا، فإذا تقيَّد فأعلى أحواله ـ إن سلم من الشك ـ أن يكون إسلامًا، [ق ٨٩ ب] ويكون صاحبه من عوام المسلمين، لا من خواص المؤمنين.


(١) سقط من «ح».