عن مواضعه إذا عجزوا عن الليِّ والكتمان، وآخر أمرهم أن يصلوا إلى: هكذا قال فلان وهكذا قال فلان! فإذا ذكرت لهم الحجة الصحيحة التي يقبلها العقل وفطرة الإنسان، قالوا: كيف يظن بأرسطو وابن سينا وأبي الهذيل وأبي علي وابنه وأمثالهم أن يخفى عليهم مثل هذا، وهم أهل العقل والحجة والبرهان؟!
هذا وهم يرون تعصبًا وجهلًا تقليدَ من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلَّا وحي يوحى، ومن قام الدليل على عصمته وعلمه ومعرفته وصدق اللهجة منه واللسان. فما أشبههم بإبليس أبي الجان، حين استكبر عن السجود لآدم ورضي أن يكون قوادًا لأهل الفسوق والعصيان.
وما أشبههم بأعداء الرسل إذ أنفوا أن ينقادوا لرسول من نوع الإنسان، ثم رضوا بعبادة (١) الشيطان والأوثان والصلبان والنيران، وسلكوا سبيل هؤلاء في تنزيه الربِّ تعالى عن صفات كماله خشية التجسيم والتشبيه المستلزم عندهم للنقصان، ثم شبهوه بالناقصات بل بالمعدومات بل بالممتنعات التي لا تدخل تحت قضايا الإمكان. فنزهوه خشية الحصر عن استوائه على عرشه الذي هو فوق جميع الأكوان، ثم قالوا: هو في كل مكان. فيا للعقول! أيُّ الأمكنة أشرف وأجلًّ: أعرش الوحي أم الآبار والأنجاس والمواطن التي يرغب عن ذكرها كل إنسان؟! فاسأل مقلِّب القلوب أن يثبت قلبك على دينه الذي أرسل به رسوله وأنزل به الفرقان، وألَّا يزيغه بعد أن هداه عن سبيل الهدى والإيمان، وقل: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث وعليك التكلان.