للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أبطل فاضلهم (١) طُرق الناس، وعوَّل على هذه الطريقة، كما تقدم حكاية لفظه. وهذا اعترافٌ منه بأنه ليس للمدح والذم حاصلٌ إلَّا ما لا يتصور في حقِّ الله، فلا يتصور عنده أن يكون الله محمودًا ممدوحًا بحالٍ، ومعلومٌ أن فساد هذا في دين الرُّسل كلهم وجميع فِطَر بني آدم من أوضح الواضحات. وحينئذٍ فنقول في:

الوجه الثامن والعشرين: قولكم: إن المدح يستحيل تصوره في حقِّ الله، من أوضح الكفر، وأقبح المعاداة لله، والمناقضة لكتبه ورسله. واستدلالكم على ذلك بأن الفرح يستحيل عليه أبطل وأبطل، بل قد عُلم بالاضطرار عقلًا وفطرةً وشرعًا أن المستحق لغاية المدح الكامل المطلق هو الربُّ سبحانه، فهذا أحقُّ الحقِّ. ولازمه حقٌّ، فإنه لا يلزم من الأحقِّ إلَّا حقٌّ، فإن كان الفرح لازمًا لهذا المدح فهو حقٌّ. وقد أثبته له سبحانه أعلم خلقه وأعرفهم به وبصفاته وما يجب له ويمتنع عليه، وقرَّب فرحه سبحانه إلى الأذهان بما هو من أعظم (٢) أنواع الفرح، وهو فرحه بتوبة التائب إليه، فكيف بما هو أعظم من ذلك من حمد الحامدين له ومدحهم له وثنائهم عليه. فإذا كان المدح مستلزمًا للفرح، وقد عُلم أنه يستحق المدح أجمع، عُلم أنه يفرح بمدحه. وإثبات الملزوم ونفي لازمه محالٌ، ولهذا لمَّا تفطَّن هؤلاء لذلك وعلموا (٣) أنه لا يمكن إثبات الملزوم ونفي لازمه، صرَّحوا بنفي اللازم والملزوم، وقالوا: يستحيل ثبوت المدح والفرح في حقِّه. فنقول في:


(١) يعني الفخر الرازي في «نهاية العقول» (٣/ ٢٤١ - ٢٤٢)، وقد تقدم نقل كلامه في الوجه العشرين.
(٢) «ح»: «أعظم من». ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) «ح»: «علموا» من غير واو.