للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كانت هذه صفات كمالٍ فلا يجوز سلبها عمَّن هو أحق بالكمال المطلق من كل أحدٍ بمجرد تسميتها كيفيات نفسية وأعراضًا وانفعالات ونحو ذلك، فإن هذا من اللبس والتلبيس وتسمية المعاني الصحيحة الثابتة بالأسماء القبيحة المنفِّرة، وتلك طريقة للنُّفاة مألوفة وسجية معروفة. وإذا عُرف هذا تبيَّن أن هؤلاء المعطلة النُّفاة أضاعوا حقَّ الله الذي يستحقه لنفسه، والذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، والذي هو أصل دينه ومنتهى عبادته؛ بما هم متناقضون فيه.

وقد سبق لك أنهم معترفون بما فطر الله عليه خلقه أن المدح يتضمن فرح الممدوح ولوازمه، ولهذا لزمهم القولُ بخلاف ما يُعلم بالضرورة من دين الرسل من أولهم إلى آخرهم: أن الله لا يفرح بمدحه وحمده وتمجيده والثناء عليه ولا يرضى نفسه بذلك ولا يكون محبوبًا له على الحقيقة. وهذا هم معترفون به، لا يتحاشون منه، ولا يستنكفون من إطلاقه. وإنما العجب تصريحهم بأنه لا يمدح بمدح (١)، والمدح هو أصل الثناء والحمد، وقد صرَّحوا باستحالة ذلك في حقِّه، كما قالوا: المدح هو الإخبار [عن] (٢) كونه مستحقًّا لأن [يفعل] (٣) به ما يفرح به ويلتذ به، والذم هو الإخبار عن كونه مستحقًّا لأن يفعل به ما يحزن به ويتألم به. قالوا: وإذا فسرنا المدح والذم بذلك استحال (٤) تصورهما في حق الله تعالى لاستحالة الفرح والغم عليه.


(١) «ح»: «ممدح». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «هو». والمثبت من «نهاية العقول»، وقد تقدم على الصواب.
(٣) «ح»: «ينقل». والمثبت من «نهاية العقول»، وقد تقدم على الصواب.
(٤) «ح»: «استحالة». والمثبت من «نهاية العقول»، وقد تقدم على الصواب.