أصحَّ ممَّا جاءت به الرسل عن الله. وقد تقدَّم تقرير هذا، والمؤمنون يعرفونه جملةً، والرَّاسخون في العلم يعرفونه تفصيلًا.
الوجه التَّاسع والعشرون: أن دعوى المدَّعي أن كلام الله ورسوله لا يُستفاد منه يقينٌ ولا علمٌ، إمَّا أن يدعيه حيث لا يعارض العقلُ السمعَ بل يوافقه، أو حيث يعارضه في زعمه، أو حيث لا يعارضه ولا يوافقه؛ فإن ما جاء به الشرع عند هؤلاء ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يخالف ظاهرُه صريحَ العقل.
والثَّاني: ما يوافق العقل.
والثَّالث: ما لا يُحِيلُه العقل ولا يقتضيه.
فقول القائل: إن كلام الله ورسوله لا يفيد اليقين؛ يُقال له: لا يفيد في شيءٍ من هذه الأقسام الثلاثة عندك، أو في الأول منها خاصةً، أو فيه وفي الثَّالث. فإن كان مراده النفي في جميع الأقسام كان ذلك عنادًا ظاهرًا وإلحادًا في كلام الله ورسوله. وإن كان مراده أنه لا يفيده فيما يخالف صريح العقل ـ وهو الذي يريده هؤلاء ـ قيل له: هذا الفرض وإن اعتقدته واقعًا فهو محالٌ، فلا يعارض السمع الصحيح الصريح إلَّا معقولٌ فاسدٌ، تنتهي مقدماته إلى المكابرة أو التقليد أو التلبيس والإجمال. وقد تدبَّر أنصار الله ورسوله وسُنته هذا فما وجدوا ـ بحمد الله ـ العقلَ الصريح يفارق النقل الصحيح أصلًا، بل هو خادمه وصاحبه والشَّاهد له، وما وجدوا العقل المعارض له إلَّا من أفسد العقول وأسخفها وأشدها منافاةً لصريح العقل وصحيحه.