الجهمي أن الفاقد لصفات الكمال أكمل من الموصوف بها، كما أن عند أستاذهما [ق ٥٦ أ] وشيخهما الفيلسوف أن من لا يسمع ولا يُبصر ولا يعلم، ولا له حياة ولا قدرة ولا إرادة ولا فعل ولا كلام، ولا يُرسل رسولًا، ولا يُنزل كتابًا، ولا يتصرف في هذا العالم بتحويلٍ وتغييرٍ وإزالةٍ ونقلٍ وإماتةٍ وإحياءٍ؛ أكمل ممَّن يتصف بذلك.
فهؤلاء كلهم قد خالفوا صرائح المعقول، وسلبوا الكمال عمَّن هو أحق بالكمال من كل ما سواه. ولم يكفهم ذلك حتى جعلوا الكمال نقصًا، وعدمه كمالًا، فعكسوا الأمر، وقلبوا الفِطَر، وأفسدوا العقول.
فتأمَّل شُبههم الباطلة، وخيالاتهم الفاسدة، التي عارضوا بها الوحي هل تُقاوِم (١) هذا الدليل الدَّال على إثبات الصِّفات والأفعال للربِّ سبحانه؟ ثم اختر لنفسك بعدُ ما شئت.
وهذا قطرةٌ من بحرٍ نبَّهنا به تنبيهًا يعلم به اللبيب ما وراءه، وإلا فلو أعطينا هذا الموضع حقَّه ـ وهيهات أن يصل إلى ذلك علمنا أو قدرتنا ـ لكتبنا فيه عدة أسفارٍ. وكذا كل وجهٍ من هذه الوجوه، فإنه لو بُسط وفُصِّل لاحتمل سفرًا أو أكثر، والله المستعان، وبه التوفيق.
الوجه الخامس والخمسون: أن غاية ما ينتهي إليه من ادَّعى معارضة العقل للوحي أحد أمورٍ أربعةٍ لا بد له منها: