للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإمَّا اعتقاد أن الرُّسل خاطبوا الخلق بها خطابًا جمهوريًّا لا حقيقة له، وإنما أرادوا منهم التخييل وضرب الأمثال.

وإمَّا اعتقاد أن المراد تأويلها وصرفها عن حقائقها وما تدل عليه إلى المجازات والاستعارات.

وإمَّا الإعراض عنها وعن فهمها وتدبرها، واعتقاد أنه لا يعلم ما أريد بها إلَّا الله.

فهذه أربع مقامات، وقد ذهب إلى كل مقامٍ منها طوائف من بني آدم.

المقام الأول: مقام التكذيب والجحد. وهؤلاء استراحوا من كُلفة النصوص والوقوع في التجسيم والتشبيه، وخلعوا رِبْقَة الإيمان (١) من أعناقهم، وقالوا لسائر الطوائف: منكم إلى هذه النصوص (٢)، وأمَّا نحن فلسنا منها في شيءٍ؛ لأن عقولنا لمَّا عارضتها دفعنا في صدر من جاء بها، وقابلناه بالتكذيب.

المقام الثَّاني: مقام أهل التخييل. قالوا: إن الرُّسل لم يمكنهم مخاطبة الخلق بالحقِّ في نفس الأمر، فخاطبوهم بما يُخيل إليهم، وضربوا لهم الأمثال، وعبروا عن المعاني المعقولة بالأمور القريبة من الحسِّ، وسلكوا ذلك في باب الإخبار عن الله وأسمائه وصفاته واليوم الآخر، وأقرُّوا باب


(١) الربقة في الأصل: عروة في حبل تُجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، فاستعارها للإيمان، يعني: ما يشد به المسلم نفسه من عُرى الإيمان: أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه. «النهاية في غريب الحديث» (٢/ ١٩٠ (.
(٢) كذا جاءت هذه العبارة، وهي غريبة، ولعلها عبارة عامية.