للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطلب على حقيقته. ومنهم من سلك هذا المسلك في الطلب أيضًا، وجعل الأمر والنهي أمثالًا وإشاراتٍ ورموزًا. فهم ثلاث فرقٍ، هذه إحداها.

والثَّانية: سلكت ذلك في الخبر دون الأمر.

والثَّالثة: سلكت ذلك في الخبر عن الله وصفاته دون المعاد والجنة والنَّار.

وذلك كله إلحادٌ في أسماء الربِّ وصفاته ودينه واليوم الآخر، والملحد لا يتمكن من الردِّ على الملحد وقد وافقه في الأصل، وإن خالفه في فروعه. فلهذا استطال على هؤلاء الملاحدةُ كابن سينا وأتباعه غاية الاستطالة، وقالوا (١): القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص الصفات. قالوا بل الأمر فيها أسهل من نصوص الصِّفات؛ لكثرتها وتنوُّعها وتعدُّد طرقها، وإثباتها على وجه يتعذر معه التأويل، فإذا كان الخطاب بها خطابًا جمهوريًّا فنصوص المعاد أولى.

قال: فإن قلتم نصوص الصِّفات قد عارضها ما يدل على انتفائها من العقل. قلنا: ونصوص المعاد قد عارضها من العقل ما يدل على انتفائه (٢). ثم ذكر العقليات المعارضة للمعاد بما يعلم به العاقل أن العقليات المعارضة للصفات من جنسها أو أضعف منها.

المقام الثَّالث: مقام أهل التأويل، قالوا: لم يُرد منَّا اعتقاد حقائقها، وإنما أُريد منَّا تأويلها بما يخرجها عن ظاهرها وحقيقتها. فتكلفوا لها وجوه


(١) ينظر «الرسالة الأضحوية» لابن سينا (ص ٩٧ - ١٠٢).
(٢) «م»: «انتفائها».