للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التأويلات المستكرَهة، والمجازات المستنكَرة، التي يعلم العقلاء أنها أبعد شيءٍ عن احتمال ألفاظ النصوص لها، وأنها بالتحريف أشبه منها بالتفسير.

والطَّائفتان اتفقتا على أن الرَّسول لم يُبيِّن الحقَّ للأُمة في خطابه لهم ولا أوضحه، بل خاطبهم بما ظاهره باطلٌ ومحال. ثم اختلفوا: فقال أصحاب التخييل: أراد منهم اعتقاد خلاف الحقِّ والصواب، وإن كان في ذلك مفسدة، فالمصلحة المترتبة عليه أعظم من المفسدة التي فيه. وقال أصحاب التأويل: بل أراد منَّا أن نعتقد خلاف ظاهره وحقيقته، ولم يُبيِّن لنا المراد تعريضًا لنا إلى حصول [ق ٥٦ ب] الثواب بالاجتهاد والبحث والنظر، وإعمال الفكر في معرفة الحقِّ بعقولنا، وصرف تلك الألفاظ عن حقائقها وظواهرها لننال ثواب الاجتهاد والسعي في ذلك. فالطَّائفتان متفقتان على أن ظاهر خطاب الرَّسول ضلالٌ وكفرٌ وباطلٌ، وأنه لم يُبيِّن الحقَّ، ولا هدى إليه الخلق (١).

المقام (٢) الرَّابع: مقام الما أدرية (٣) الذين يقولون: لا ندري معاني هذه الألفاظ، ولا ما أُريد منها، ولا ما دلت عليه. وهؤلاء ينسبون طريقتهم إلى السَّلف، وهي التي يقول المتأولون: إنها أسلم، ويحتجون عليها بقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اَللَّهُ} [آل عمران: ٧]. ويقولون هذا هو الوقف التَّام عند


(١) «ح»: «الحق». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «الوجه». والمثبت من «م».
(٣) رسمه في «ح»، «م»: «الملادرية» اتصلت اللام بالألف. ويقصد بهم هنا المفوضة الذين يفوضون المعنى والكيفية، فيقولون: لا ندري معنى الصفة ولا كيفيتها. وينسبون ذلك لمذهب السلف خطأ، فالسلف إنما يفوضون الكيفية فقط، وقد تقدم الكلام على سلفهم من لا أدرية الفلاسفة السوفسطائية (ص ٢٠١ - ٢٠٢).