للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الخامس (١) عشر

في جنايات التأويل على أديان الرُّسل

وأن خراب العالم وفساد الدنيا والدِّين بسبب فتح باب التأويل

إذا تأمل المتأمِّل فساد العالَم، وما وقع فيه من التفرق (٢) والاختلاف، وما دُفِع إليه أهل الإسلام، وجده ناشئًا من جهة التأويلات المختلفة المستعملة في آيات القرآن وأخبار الرسول صلوات الله وسلامه عليه، التي تعلق بها المختلفون على اختلاف أصنافهم في أصول الدِّين وفروعه، فإنها أوجبت ما أوجبت من التباين والتحارب، وتفرُّق الكلمة، وتشتُّت (٣) الأهواء، وتصدُّع الشمل، وانقطاع الحبْل، وفساد ذات البَيْن، حتى صار يُكفِّر ويلعن بعضُهم بعضًا، وترى طوائف منهم تسفِكُ دماء الآخرين، وتستحلُّ منهم في (٤) أنفسهم وحُرمهم وأموالهم ما هو أعظم ممَّا يرصدهم به أهل دار الحرب من المنابِذين لهم.

فالآفات التي جَنَتْها وتجنيها (٥) كل وقتٍ أصحابُها على الملة والأُمة من التأويلات الفاسدة أكثرُ من أن تُحصَى أو يبلغها وصفُ واصفٍ، أو يحيط بها ذِكْر ذاكرٍ، ولكنها في جملة القول أصل كل فسادٍ وفتنةٍ، وأساس كل


(١) «ح»: «الرابع».
(٢) «ح»: «التفريق».
(٣) «ح»: «وتشتيت».
(٤) «في» ليس في «ب».
(٥) «ب»: «ويجنيها».