للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا جميع سُوَر القرآن وآياته مفيدة (١) لليقين بالمراد منها، وإن أَشكل على كثير من النَّاس كثيرٌ من ألفاظه؛ فإن هذا لا يُخرِجه عن إفادته اليقين، ولا يسلب الأدلة اللفظية عن إفادتها اليقين. بل كل علمٍ من علوم بني آدم اليقينية القطعية تشتمل على مسائل (٢) يتيقَّنها أصحاب ذلك العلم، وهي مسلَّمة عندهم، ومجهولة عند كثيرٍ منهم، ولا يخرج ذلك العلم عن كونه يقينيًا قطعيًّا، فعَزْلُ الأدلة اللفظية جملة عن اليقين لألفاظٍ يسيرةٍ مشتبهةٍ على بعض النَّاس كعزل العلوم اليقينية القطعية عن موضوعها لمسائل يسيرةٍ فيها غير يقينية ولا قطعية.

الوجه الثَّالث والخمسون: أن قوله: «إن فَهْم الأدلة اللفظية موقوفٌ على نقل النَّحو والتَّصريف».

جوابه: أن القرآن نُقِلَ إعرابه كما نُقِلَت ألفاظه ومعانيه، لا فرق في ذلك كله، فألفاظه متواترة، وإعرابه متواتر، ونَقْل معانيه أَظهَرُ من نَقْل ألفاظه وإعرابه كما تقدَّم بيانه (٣)؛ فإن القرآن لغته ونحوه وتصريفه ومعانيه كلها منقولة بالتواتر، لا يحتاج في ذلك إلى نَقْل غيره؛ بل نَقْل ذلك كله بالتواتر أصحُّ من نقل كل لغةٍ نقلها ناقلٌ على وجه الأرض. وقواعد الإعراب والتصريف الصحيحة مستفادةٌ منه، مأخوذةٌ من إعرابه وتصريفه، وهو الشَّاهد على صحة غيرها ممَّا يحتجُّ له بها، فهو الحجة لها والشَّاهد، وشواهد الإعراب والمعاني منه أقوى وأصح من الشواهد من غيره، حتى إن


(١) «ح»: «مشيدة».
(٢) بعده في «ح»: «بل». وهي زائدة.
(٣) تقدم (ص ٣٤٥).