للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمتنع عدمه، كما أثبتوا صانع العالم وجودًا مطلقًا مقيدًا بسلب الأمور الثبوتية، ليس له ماهية غير ذلك الوجود.

ويثبتون كونه حيًّا بلا حياةٍ، وعالمًا بلا علمٍ، وقادرًا بلا قدرةٍ.

إلى أضعاف أضعاف ذلك من ضلالهم في عقلياتهم التي جعلوها معارضة للوحي، وقدَّموها عليه. وكلما تدبَّر العاقل الذكي المنصف أحوال هؤلاء ومن وافقهم على بعضها تبيَّن له أن القوم لا عقل ولا نقل، و (١) تفصيل هذا يستدعي بسطًا طويلًا، والله المستعان.

الوجه السَّادس والستون: أن هؤلاء في معارضتهم للوحي سلكوا طريقًا سحروا بها عقول ضعفاء النَّاس وبصائرهم، فشُبهت عليهم، وخُيل إليهم أنها حقٌّ، فأصابهم في ذلك مثل ما أصاب السحرة حين عارضوا (٢) عصى موسى بما خُيل إلى أبصار النَّاظرين أنه حقٌّ. فإن هؤلاء عمدوا إلى ألفاظٍ مجملةٍ تحتها معانٍ مشتبهةٌ تحتمل في لغات الأُمم معاني متعددة، وأدخلوا فيها من المعاني غيرَ المفهوم منها في لغات الأُمم، ثم ركَّبوها وألَّفوها تأليفًا طويلًا بنوا بعضه على بعضٍ، ففكَّروا فيه وقدَّروا، وأطالوا التفكير والتقدير، ثم عظَّموا قولهم وهوَّلوه في نفوس من لم يفهمه.

ولا ريب أن فيه دقةً وغموضًا، لما فيه من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة، فإذا دخل معهم الطَّالب وسمع منهم (٣) ما تنفر عنه فطرته، فأخذ يعترض عليهم، قالوا له: أنت لا تفهم هذا، وهذا لا يصلح لك، وهذا أمرٌ قد


(١) بعده في «ح»: «لا».
(٢) «ح»: «رضوا». ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) «ح»: «معهم».