للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صقلته الأذهان على تطاول الأزمان، وتلقَّته العقول بالقبول والتسليم، وفزعت إليه عند التخاصم والتحاكم (١). فيبقى ما في النفوس من الحمية والأنفة يحملها على تسليم تلك الأمور قبل تحقيقها، وعلى ترك الاعتراض عليها خشية أن ينسبوه إلى نقص العلم والعقل، فيأخذها مُسلَّمةً، فإذا جاءت لوازمها لم يجد بُدًّا من التزامها، ويرى أن التزام تلك اللوازم أهون عليه من القدح في تلك القواعد وإبطالها. فهذا أصلُ ضلال من ضلَّ من أهل النظر والبحث في المعقولات، وأمَّا الأعمى المُقلِّد فليس معه أكثر من: هكذا قال العقلاء. وهذا القدر الذي وقع من ضلال هؤلاء لم يقصده عقلاؤهم ابتداءً؛ بل كان قصدهم تحصيل العلوم والمعارف، ولكن أخطؤوا بطلبها من غير طريقها؛ فضلوا وأضلوا.

وقد سُئل شيخنا - رضي الله عنه - عن بعض رؤساء هؤلاء ممَّن له علمٌ وعقلٌ وسلوكٌ وقصدٌ ثم (٢) أخطأ الصواب، فقال: «طَلَبَ الأمور العلية من غير الطُّرق النبوية فقادته قسرًا إلى المناهج الفلسفية» (٣).

وما أحسن ما قال! فإن من طلب أمرًا عاليًا من غير طريقه لم يحصل إلَّا على ضدِّه. فالواجب على من يريد كشف ضلال هؤلاء وأمثالهم ألَّا يوافقهم على لفظٍ مجملٍ حتى يتبيَّن معناه ويعرف مقصوده، فيكون الكلام في معنى معقولٍ يتوارد النفي والإثبات فيه على محلٍّ واحدٍ، لا في لفظ مجملٍ مشتبه المعنى. وهذا نافعٌ في الشرع والعقل والدِّين والدُّنيا، وبالله التوفيق.


(١) ينظر «مفتاح دار السعادة» للمصنف (١/ ٤٤٦).
(٢) كذا في «ح»، والأصوب: «لِمَ».
(٣) لم أقف عليه إلا في كتابنا هذا، ولعل المصنِّف تلقاه عن شيخه ابن تيمية شفاهًا.