للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه السَّادس والثلاثون: قوله: «وعدم الإضمار». يُقال: الإضمار على ثلاثة أنواع:

نوعٌ يُعلم انتفاؤه قطعًا، وأن إرادته باطلةٌ، وهو الحال. وهو حال أكثر الكلام، فإنه لو سُلِّط عليه الإضمار فسد التخاطب، وبَطَلَتِ العقود والأقارير والطلاق والعتاق والوصايا والوقوف والشهادات، ولم يَفهَم أحدٌ مرادَ أحدٍ إذ يمكنه أن يُضمر كلمةً تُغيِّر [ب ٩٥ أ] المعنى، ولا يدل المخاطب عليها.

وباب الإضمار لا ضابطَ له، فكل مَن أراد إبطال كلامِ متكلمٍ ادَّعى فيه إضمارًا يُخرجه عن ظاهره.

فيدَّعي ملحدٌ الإضمار في قوله: {وَكَلَّمَ اَللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٣]: أي وكلَّم مَلَك الله موسى.

ويدَّعي في قوله: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤] إضمار مَلَك الرحمن، كما ادَّعى بعضهم الإضمار في قوله «يَنْزِلُ رَبُّنَا» (١):أي مَلَك ربِّنا.

وفي قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:٢٤]: أي مَلَك ربِّك.

ولو علم هذا القائل أنه قد نَهَجَ الطريق وفتح الباب لكل ملحدٍ على وجه الأرض وزنديق وصاحب بدعةٍ يدَّعي فيما يحتجُّ به لمذهبه عليه إضمار كلمة أو كلمتين نظير ما ادَّعاه غيره، لاختار أن يَخْرَس لسانُه، ولا يفتح هذا الباب على نصوص الوحي؛ فإنه مدخلٌ لكل ملحدٍ ومبتدعٍ ومبطلٍ لحُجَج الله من كتابه.


(١) تقدم تخريجه.